#7نيسان_ميلاد_امة

اخر الاخبار

الجمعة، 18 يناير 2019

صلاح المختار عواطفونيا : مفتاح مقابر اللاعقلانية





تذكروا حسنات موتاكم
مثل عربي


مقابلة الدكتور ضرغام عبدالله الدباغ مع قناة الفلوجة حظيت بردود افعال متباينة ولكنها في الاطار العام كانت ممتازة وسلطت الاضواء على حقيقة البعث التي حاولت جهات عديدة تشويهها ،ولهذا قررت التعليق على التعليقات وليس على ما قاله د.ضرغام ، بعض من علق كان غارقا في عواطفه السياسية فأغرق الحاضر بمياه ملوثة بالدماء من ماض كان يجب ان يبقى مطمورا ، هذا البعض كان مجبرا وهو اسير عاطفة سياسة جامحة ان يرى فقط ما يريد رؤيته ويزيل من لوحات الاحداث كل ما لايريده ! وهذه هي عواطفونيا بالضبط : انها خلل مدمر لذات الشخص قبل غيره لكنه لايكتشف ما لحق به من دمار الا بعد فترة يصبح الندم فيها غير مجد. وكان موضوع المرحوم فؤاد الركابي من بين ابرز ما تناولته التعقيبات والتي تميز بعضها بتلك الانتقائية الملعونة! والسؤال الذي اخذ يكبر معي كلما زاد وعيي هو: لم يصاب الانسان بداء الانتقائية ؟ وربما السؤال الاهم هو :ما هي نتائج هذه النظرة الانتقائية على ممارسها او على من يدافع عنهم ؟

وقبل تناول التفاصيل لابد ان اؤكد بانني احترم الدور التاريخي للمرحوم فؤاد الركابي في بناء البعث في العراق واترحم عليه واعتبره من ضحايا الصراعات غير المبررة ،لكنه ،وهذا ما يجب الانتباه اليه،ليس ضحية بلا دور لعبه كي يصل الى ما وصل اليه ولم يأخذه احد من داره بدون فعل مسبق منه ، وهذا ما تجاهله بعض من علق رغم الاهمية الاخلاقية له وما تفرضه الضرورات الموضوعية من عرض الموقف بكافة مكوناته ،كما ان المعلق تجاهل عمدا حقيقة يعرفها جيدا وهي الركابي ليس الضحية الوحيدة فمعه ضحايا كثر منهم انا،حيث كنا ايضا ضحايا لنظام كان المرحوم فؤاد الركابي احد رموزه السياسية الاساسية ولهذا فان ما جرى لضحايا نظام عارف يتحمله كل من شارك فيه .

الذين يترحمون على السيد فؤاد الركابي يترجمون اخلاقيات راقية لشعب ينهي العداوة والخلاف بالموت لانه طوى صفحة من رحل ويجب الكف عن نبش ماضيه وتذكر حسناته ،والمثل العربي يقول ( تذكروا حسنات موتاكم ) ، ولكن هذه الاخلاقية لاتقتصر على هذا المكون فقط بل فيها مكون اهم وهو انك حينما تترحم على شخص ما عليك تجنب ربطه بالاساءة لغيره خصوصا اذا كان من يساء اليه ميتا ايضا ، ازدواجية امتداح ميت والاساءة لميت اخر في نفوس الوقت عيب اخلاقي كبير لانه ليس سوى نبش للقبور وهي عادة مذمومة جدا ، وفي هذا السلوك اساءة ،متعمدة او غير متعمدة، لمن كان موضع مديح المعلق، لان نبش القبور يجبر الطرف الاخر على عرض الحقيقة كاملة،فهل فكر بذلك من قام بمديح الراحل الكبير فؤاد الركابي واساء لراحل اخر هو الاخر يستحق تذكر محاسنه وهو الشهيد صدام حسين ؟

ولكي نعيد دفن القبور التي نبشت لابد قبل ذلك من معرفة ما جرى فعلا : المرحوم فؤاد الركابي كان امين سر القطر العراقي لحزب البعث العربي الاشتراكي في فترة ما ،وهذا امر معروف ونحن نكن الاحترام لتاريخه ولكل من ساهم في تأسيس البعث في العراق او خارجه، ولكننا ايضا نتوقف عند انفصال قادة عن الحزب وتبني بعضهم مواقف عدائية له، بعكس ما فعلته اغلبية القادة الذين انفصلوا عن الحزب والتزموا بعدم تشكيل تنظيمات تعمل ضده،والمرحوم الركابي قام بتشكيل تنظيم عمل علنا ضد الحزب! الكتل النخبوية الناصرية ومنها كتلة الركابي اخذت تعمل لاسقاط نظام البعث بعد استلامه الحكم في عام 1963 وشاركت عبدالسلام عارف في اسقاطه وكانت النتيجة اعدام بعثيين بطريقة لا انسانية كما حصل مع الشهيد ممتاز قصيرة الطالب البعثي في كلية الطب الذي اعدمه نظام عارف امام مدخل كلية الطب مع كوكبة من مناضلي البعث اعدمها وهذه واقعة معروفة وثابتة .

وقام نظام عارف بشن حملات اعتقالات متتالية على مناضلي البعث وتعرضوا فيها للتعذيب البشع ،ولعل ما قام به الضابط في الامن المجرم عز الدين لافي مثال واحد فقط لمئات الامثلة عن الاضطهاد الذي تعرض له البعث :فلقد قام هذ الضابط ،وكان المدير العام للامن وقتها ضابط ناصري اسمه رشيد محسن، وهو من نفس الكتل التي عمل معها المرحوم فؤاد الركابي ، قام عز الدين لافي بعمل فظيع لم يكن مألوفا في العراق حتى ذلك الوقت وهو عدم الاكتفاء بتعذيب البعثيين ،وانا احد الذين عذبوا في الامن العام على يد عز الدين لافي ، بل قام بسحل بعض المعتقلين في شارع فلسطين بعد ربطهم بسيارة لاجبارهم على الاعتراف ضد الحزب ! والاشنع هو قيام عناصر الامن باغتصاب احد كوادر البعث بامر من عز الدين لافي ، لهذا كان رد فعل الحزب قويا ومباشرا وهو تصفية عز الدين لافي جسديا .

والسؤال الذي لايمكن تجاهله هو:هل كان الركابي بريئا من نظام قام بكل تلك الجرائم البشعة ؟ الحقيقة التي يجب ان نذكّر بها رغما عنا هي ان الركابي كان احد رموز نظام عارف ولم يعترض على الاعدامات ولا حملات تصفية الحزب! الا يثبت الصمت ان من صمت كان موافقا على ما جرى؟وماذا ينتج عن اعتقالات وتعذيب واغتصاب من ردود افعال لدى الضحايا ورفاقهم؟ الرغبة في الانتقام لدى البعض.هذا الاضطهاد ترك اثرا سلبيا لدى عموم البعثيين ويمكن ان يتجاوز الاثر حدود الادانة ويصل حد القيام باعمال انتقام فردية ممن كان في نظام عارف !ولا يشترط هنا ان يقوم بذلك من تعرض مباشرة لتلك الحالة اللاانسانية بل كان متوقعا ايضا ان يقوم رفاق لهم بعمليات انتقام لاصلة للحزب بها ، ومقتل المرحوم فؤاد الركابي في سجنه عمل مدان دون شك ولكن هل يوجد دليل على ان قيادة الحزب هي من امرت بذلك ام ان شخصا ما ولسبب ما مازلنا نجهله قد يكون الانتقام من نظام عارف دافعه للقيام بتلك الجريمة ؟

ولكي تكون الصورة اوضح لابد من التذكير بموقف النظام الوطني من كل من تراجع عن معاداته فاغلق صفحة الماضي وعامله باحترام وضمن له كافة حقوقه المادية والاعتبارية ومثال المرحوم علي صالح السعدي ، وهو ايضا كان امين سر قطر العراق ،يقدم الدليل على ذلك فهو لم يعاقب بعد عودته للعراق بل تبنى النظام الوطني موقفا اخلاقيا ووطنيا تجاهه وعرض عليه وظيفة سامية وارسله للعلاج الى لندن رغم انه قاد اخطر انشقاق في الحزب حتى ذلك الوقت بينما الركابي لم ينجح في شق الحزب وعزل فور فصله منه :فلم يصفي الحزب الركابي ولا يصفي السعدي ؟ الجواب لان السعدي ترك معاداة البعث بينما الركابي القي القبض عليه وهو يعمل ضد النظام .

وهكذا ترون ان فتح الملف كاملا نتيجة الاستفزاز الانتقائي يفضي الى حالة اخطر وهي اجبار الطرف الاخر على ابراز الجزء الذي تعمد من امتدح الركابي اخفاءه وهو الاسباب التي ادت الى الحاق اذى بالراحل في فترة ما وهل كان ذلك نتيجة عدوان ام رد عدوان ؟ اكرر القول انا ضد اي فعل انتقامي عاطفي ومنه ما جرى للمرحوم الركابي ولكن كيف يمكن لانسان عادي وطبيعي ان يتصور ان احداثا وقعت في اجواء توتر وصراعات دامية ان لاتترك اثرا وتخلق رد فعل مناف للقانون والضمير احيانا ؟ عندما اتذكر ما فعله عز الدين لافي وعصابته الاجرامية لا اتذكر وجه لافي فقط بل اتذكر الذي امره وهو العقيد رشيد محسن رفيق الركابي في الكتل الناصرية،واتذكر عبالسلام عارف رئيس النظام الذي منح رشيد محسن صلاحيات التعذيب والاغتصاب ،واتذكر كل رموز النظام العارفي الذين كانوا يمارسون حياتهم بفرح بينما كان في سجونهم الاف البعثيين يتعرضون للتعذيب والموت والاغتصاب .

بالتذكر الانتقائي لجزء من التاريخ واخفاء الجزء الاخر قام البعض بفتح الابواب التي كان يجب ان تبقى مغلقة بالاكتفاء بذكر محاسن موتانا دون التجريح بموتى اخرين لهم رفاق واجبهم الاخلاقي يجبرهم الرد بذكر الحقيقة كاملة وهي تكشف ان من وصف بالضحية لم يكن ضحية الا في لحظة قتله ولكنه كان مع الجلاد والقاتل والمعذب في فترات سابقة محرضا على البعثين ! فهل هذه الطريقة تفيد الضحية ؟

وثمة ملاحظة بالغة الاهمية هي ان ما حصل بين عامي 1963 و1968 من احداث كان البعث ضحيتها توضح الكثير من اسباب مقتل المرحوم الركابي وان كانت لاتبرر ذلك ، فبعد نضال شاق وتضحيات غالية قدمها البعث في سجون الديكتاتور الشعوبي قاسم نجح البعثيون في اسقاط نظام قاسم بعملية ثورية وانقلابية في 8-2-1963 ،وبسبب وفاء البعثيين وحرصهم على جمع كل القوميين العرب معهم اختاروا المرحوم عبدالسلام عارف رئيسا للجمهورية رغم انه لم يكن يعلم بتلك الثورة وكلف الحزب المرحوم الرفيق عدنان القصاب بالذهاب الى بيته لجلبه الى الاذاعة بعد تفجير الثورة ، ولكن ماذا فعل عارف ومعه كتل عسكرية ومدنية تنتمي للتيار الناصري ؟

بدل الاعتراف بدور البعث في اسقاط قاسم ورغبته في توحيد الصف القومي العربي في العراق رد عارف ومن معه على البعثيين بتدبير انقلاب عسكري دموي يوم 18 -11- 1963 والبعث لم يمضي اكثر من تسعة شهور في الحكم ،فجاء اسقاط النظام من شخص نصبه البعث رئيسا وهو لم يساهم باي دور في اسقاط قاسم !!! لقد تأمر عارف ومعه شخصيات ناصرية واقنعوا ضباطا بعثيين بانهم يريدون فقط حل الحرس القومي فاسقطت اول تجربة للبعث وهو لم يمضي اكثر من 9 اشهر وكان الضرر الاكبر ليس اسقاط النظام بالغدر فقط بل لانه حرم البعث من تطبيق خططه واهدافه .وبعد ان عاد البعث للحكم في عام 1968 بثورة بيضاء وكان شعاره الاول غلق صفحة الماضي كله واقامة جبهة شاملة مع الجميع،ولكن مع الاسف واصلت احزاب وكتل العمل لاسقاط نظام البعث مرة اخرى . والقي القبض على الركابي وهو يعمل على اسقاط النظام ولم يعتقل انتقاما منه لدوره في الحكم العارفي ،وفي السجن كان هناك سجينا اخرا قام بقتله فهل يمكن الجزم بان ذلك الحادث كان قرارا مركزيا ام انه انتقام فردي؟

وما يجب اخذه بنظر الاعتبار من الناحية النفسية هو التالي: اذا كان البعث تعرض للاعدامات والاغتصاب على يد نظام عارف وهو لم يرتكب اي جريمة او عمل مشين ضد الناصريين فهل سيضمن اسقاط نظام البعث بعد عام 1968 حياة البعثيين واسرهم؟ الا يفضي اسقاط النظام الى منعه من تحقيق التغييرات الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء عراق قوي وهو ما فعله البعث فعلا بعد ان حقق الاستقرار الامني؟ان الدفاع عن نظام الحزب وهو يخوض معارك مصير مع قوى محملة بالاحقاد والثارات جعله يرد بقوة وحزم لاجل انهاء مصادر الخطر عليه وعلى العراق.

العاطفة غير المنضبطة بقوة الضمير ملعونة فمن ادان قتل المرحوم الركابي كان على حق ،لكنه نكأ جراحا بفتحه مقابر كان يجب ان تبقى مغلقة احتراما لمن دفن فيها حينما هاجم النظام الوطني وهو هنا على باطل ، فلنتعلم الاخلاق بكل جوانبها وليس في جانب واحد منها ولنكبح جماح العاطفة لانها ليست نبيلة دائمة . ورغم انني اعرف ان عدد من علق سلبيا على مقابلة الرفيق ضرغام ليس كبيرا الا انني اعرف اكثر ان التفكير بالعاطفة مرض كثيرين هو ما دفعني للكتابة لطرح اثارها النفسية والاجتماعية الخطرة .

Almukhtar44@gmail.com
١٥ / كانون الثاني / ٢٠١٩ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Disqus Shortname

الدكتور المهندس اكرم// ساسة امريكا تردد شعارات البعث واحاديث القائد المجاهد

ساسة امريكا تردد شعارات البعث واحاديث القائد المجاهد ...................................................... الدكتور المهندس اكرم// ...