صلاح المختار
الان توضحت الكثير من تفاصيل الخطط الامريكية والصهيونية والايرانية تجاه الامة العربية عموما ومن بين اهم عناصر قوة هذه الخطط الدور الايراني حيث ان اسرائيل الشرقية لعبت دورا هو الاخطر في هذا المخطط بحيث تجاوز في خطورته خطر اسرائيل الغربية والذي كان هو الخطر الاول عربيا حتى تنصيب خميني حاكما في طهران لسبب رئيس هو ان اسرائيل الشرقية نجحت في الامساك بمفتاح فعال حرم منه الغرب والصهيونية هو اشعال الفتن الطائفية والعرقية وبما ان جوهر المخطط الصهيوامريكي هو تقسيم الاقطار العربية فان الدور الايراني في هذا المخطط احتل مركز رافعة التقسيم الطائفي والعرقي الرئيسة .
مؤخرا وبعد ان تسلم الرئيس دونالد ترامب الادارة الامريكية طرحت مواقف اخرى جديدة تجاه اسرائيل الشرقية وتمادت الجهات الامريكية في تأكيد (ان امريكا مقدمة على انهاء الدور الايراني ) في العراق وسوريا وعموم الوطن العربي وتوج ذلك بتوجيه سلسلة اتهامات لها بانها تصدر الارهاب وبان دورها فيه اخطر من دور داعش ! وهذا تطور يحتاج لفحص دقيق: هل حقا ان امريكا مقدمة على ضرب اسرائيل الشرقية ؟
تقول المعلومات المنشورة بان الكبار الدوليين (امريكا وروسيا واوربا ) - وطبعا اخفوا اسم اسرائيل الغربية مع انها اللاعب الاقليمي الاكثر اهمية - اتفقوا على ضرب نفوذ اسرائيل الشرقية في الاقطار العربية انطلاقا من سوريا والعراق ، وهذه المعلومة ليست جديدة لانها تتكرر منذ عقود ولكن اية ضربة لم تحدث خلال اكثر من ثلاثة عقود ! هذه المرة الذي يدفعنا للبحث في تأكيد ان امريكا جادة في ضربها بروز شبه اجماع امريكي على فضح دور اسرائيل الشرقية ووصفها كاخطر راع للارهاب وانها يجب ان تضرب. فهل تغيرت قواعد اللعبة الدولية والاقليمية وتغير معها الدور الاقليمي لاسرائيل الشرقية ؟
كي نجيب بدقة لننظر في الملاحظات التالية :
1-نعم هناك على الارجح قرار بتقليم اظافر اسرائيل الشرقية ولكن ليس ضربها بشدة كما يروج البعض ، فقد وصل نظام الملالي الى مرحلة ما يسمى بعلم الاقتصاد (المنفعة الحدية) حيث بعدها تتحول الفائدة الى خسارة ونظام الملالي وبعد كل جرائمه التي تعد الاكثر بشاعة في التاريخ العربي الحديث وصل نقطة المنفعة الحدية. فقد كشف نظام الملالي كافة اوراقه وكانت الخطة الامبريالية والصهيونية هي تغطية هذه الاوراق اي اهدافه الحقيقة واظهاره بصورة النظام الداعم لقضية فلسطين لاجل تنفيذه خطط تدمير الاقطار العربية .
في مجرى التوسع الامبريالي الايراني في الاقطار العربية احتلالا وكسب نفوذ كانت شعارات واساليب الخداع الايرانية تتساقط قطعة وراء اخرى حتى وصلنا الان الى حد كشف نظام الملالي عن هويته القومية وتأكيد ان الدين والطائفة ماكانا الا غطاء لتحقيق الاختراق المخابراتي الايراني للعرب وصرنا نسمع ونرى قادة اسرائيل الشرقية يتفاخرون بشتم العرب ويعلنون رسميا انهم الان يسيطرون على اربعة اقطار عربية ووصلوا البحر الابيض المتوسط وسيقيمون قواعد في سوريا واليمن ويوطنون ايرانيين وافغان وباكستانيين وهنود في العراق وسوريا بدل الستة عشر مليون عربي هجروا بالقوة من العراق وسوريا خصوصا بواسطة الميليشيات الايرانية وفي مقدمتها حزب الله المحسوب على لبنان .
سقطت ضرورة التخفي ورفعت راية فارس علنا ولم تعد العباءة او الشادور الايراني ضروريا بعد ان راي العالم زواج المتعة يمر بتل ابيب بواقعة ايرانجيت ويصل مشارف واشنطن بتسليم امريكا العراق وسوريا لاسرائيل الشرقية وتتويج كل ذلك بموافقة ادارة اوباما على دعم المشروع النووي الايراني .
2-بعد هذا التطور ماذا بقي من خدمات تقدمها اسرائيل الشرقية لامريكا ولاسرائيل الغربية وهي قد اكملت اخطر واهم الاهداف وهو الشرذمة الطائفية والعنصرية للاقطار العربية خصوصا بعد ان وقع نظام الملالي في وهم انه قادر على التوسع الاقليمي خارج النطاق المحدد له من قبل امريكا واسرائيل الغربية ؟ الجواب الطبيعي هو تقليم اظافر اسرائيل الشرقية ، لكن دورها لم ينتهي في المخطط الامريكي الصهيوني ومازالت هذه الدولة رصيدا ستراتيجيا لكل من امريكا واسرائيل الغربية بشكل اخر مختلف .واهم وابرز ملامح الدور الجديد لها :
أ-انها مرشحة لتكون عضوا رئيسا في النظام الاقليمي الجديد : الشرق الاوسط الموسع .
ب- يجب ابقاءها قوة ردع واستنزاف كامنة او متحركة للعرب خصوصا للعراق فامريكا واسرائيل الغربية تنظران للاقطار العربية من زاوية ستراتيجية بعيدة المدى تأخذ بنظر الاعتبار كل الاحتمالات خصوصا تغير الاوضاع وظهور تهديدات جديدة للمصالح الامبريالية الامريكية وللكيان الصهيوني لذلك يجب الاحتفاظ باسرائيل الشرقية قوية لاستخدامها ضد العرب عند الحاجة . وهذا يذكرنا بالسبب الستراتيجي لضم الاحواز العربية اليها من قبل الاستعمار البريطاني فهي كانت تعاني من ثغرات جيوبولتيكية قاتلة –ومازالت رغم تخفيفها - ابرزها شحة المياه والارض الزراعية والموارد الطبيعية لهذا فضم الاحواز يوفر لها النفط والمياه والارض الزراعية اضافة للاقتراب اكثر من العراق ودول الخيج العربي ، فتصبح قادرة على لعب دور اقليمي رئيس يحيّد العراق وبقية العرب ويحمي اسرائيل الغربية التي كان مقررا اقامتها.
ولهذا تعد عملية ضم الاحواز مركبة الاسباب ستراتيجيا وهو ما نرى نتائجه الان بنجاح اسرائيل الشرقية بعد وصول خميني للحكم باحداث اخطر انقلاب ستراتيجي اقليمي تمثل في تحويل الصراع الاقليم الرئيس من صراع عربي صهيوني الى صراعات عربية فارسية وطائفية وعرقية بين العرب انفسهم اعفت اسرائيل الغربية لعدة عقود من مخاطر كانت تهددها . بهذا المعنى فاسرائيل الشرقية كانت وسوف تبقى ذخيرة ستراتيجية للغرب والصهيونية في ان واحد .
ج-لكن ما سبق يتطلب تغيير النظام السياسي الايراني واقامة نظام غربي الطراز في النهاية يتخلى عن البرقع الديني ويصبح جزء من تحالف دولي واقليمي منضبط .
وما يجري الان في سوريا والعراق هو عبارة عن تحجيم اسرائيل الشرقية فبعد ان بدأت تعمل بجدية لاجل تعبيد خط الحياة – او كما يسميه الاعلام الغربي ممرا ستراتيجيا - بين طهران وبيروت مرورا بالعراق وسوريا وهو الشرط المسبق لقيام الامبراطورية الفارسية ، تدخلت روسيا وامريكا ومعهما تركيا وانضمت مصر مؤخرا لاجل منع اكمال خط الحياة هذا ، وهذه الخطوة تعد ضربة رئيسة للمخطط الامبريالي الايراني اذا نفذت فعلا لانها سوف تحرمه من تواصل تغذيه نغوله العرب والذين كانوا ومازالو القوة الرئيسة في يده التي حققت بها كل انجازاتها داخل الاقطار العربية .
فتقليم الاظافر هنا هو التحجيم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى واعادة تموضع اسرائيل الشرقية كجزء منضبط في تركيبة اقليمية تشرف عليها امريكا دون اجتثاث اصول وجذور نزعة معاداة العرب وغزوهم دوريا . لهذا فالتحجيم او تقليم الاظافر ليس سوى تقليل الكوارث او ايقافها مؤقتا وليس منعها نهائيا . والان لروسيا مصلحة ايضا في عدم ترك نظام الملالي منفلتا ويتوسع دون حسابات في النتائج والاثار فروسيا في النهاية تتصارع مع امريكا من اجل اقناع الاخيرة بالاعتراف بها شريكا وليس تابعا وهي تستخدم تحالفها مع طهران لزيادة الضغط على امريكا اقليميا . مصلحة امريكا ستراتيجيا في الدور الايراني تغيرت الان بعد اكمال الدور الايراني في تفكيك الاقطار العربية واقناع الكثير من الاطراف العربية بان الخضوع لامريكا اهون من الخضوع لاسرائيل الشرقية واصبحت المصلحة الامريكية تفرض تقييد اسرائيل الشرقية واعادة تركيبها سياسيا وايديولوجيا .
3- هناك ملامح اتفاق روسي امريكي على تقاسم سوريا وهو يعني تقسيمها الى مناطق فدرالية متعددة تحكم كل منها جهة مختلفة عن الاخرى وتلك هي مقدمات التقسيم والانفصال الفعليين فامريكا تصر على تضخيم جبهة (سوريا الديمقراطية ) وهي ميليشيا كردية انفصالية لم تكن موجودة كقوة عسكرية ولا كقوة سياسية رئيسة بل كانت عبارة عن مجموعات صغيرة تعمل في شمال سوريا والان امريكا تدعمها ونجحت في تحويلها لاول مرة الى قوة عسكرية فعالة وتخلت امريكا عن حليفها في النيتو تركيا من اجل هذا التنظيم مما يؤكد وجود هدف كبير لامريكا من وراء دعم سوريا الديمقراطية ، وهو انشاء كيان كردي كبير في شمال سوريا ولهذا اقامت عشرة قواعد عسكرية في شمال سوريا فقط لحماية قوات سوريا الديمقراطية وتوفير الفرص لها لتنفيذ مخطط عزل شمال سوريا عن دمشق تحت غطاء فدرالية كردية .
ولا تعارض روسيا بقوة هذا المسعى الامريكي لانها اصلا مع الفدرالية الكردية لكنها ومن اجل تثبيت مناطق النفوذ لها في سوريا تنسق مع امريكا كيفية تقاسم مناطق النفوذ بينهما وبين اسرائيل الشرقية وتركيا ونظام بشار او من سيبقى منه فتصبح سوريا مقسمة وعلى شكل فدراليات طائفية وعرقية وهذا هو جوهر المخطط الصهيوني والامريكي والذي تدعمه روسيا الان . فاسرائيل الشرقية وفقا لهذه الترتيبات طرف من بين الاطراف التي سوف تتقاسم سوريا وتصبح لها مناطق نفوذ تحافظ فيها على بعض ما حققته في سوريا من تغلغل منذ عهد حافظ اسد الذي فتح لها كل الابواب لدخول سوريا والاستيلاء على ارض ومناطق فيها بالمال .
4-العراق هو خزان الالغام المدمرة التي تنتج تلقائيا وطبيعيا من جينات العراقيين بالذات ، وهي قدرة الشعب العراقي على النهوض من اي كبوة ومواصلة النضال مهما كانت التضحيات غالية وكبيرة ، والذي لم تنجح امريكا ولن تنجح في تفريغه من الالغام على الاطلاق ومهما فعلت – الم يصفهم القرأن الكريم بانهم ذوي البأس الشديد ؟ لهذا فهي تحتاج للدور الايراني المساعد على السيطرة على خزان الالغام وهنا نرى لم تريد امريكا تقليم اظافر اسرائيل الشرقية وليس ضربها . وخزان الالغام العراقي هو التكوين التاريخي والنفسي للعراقيين والذي جعلهم قوة مقاتلة بالفطرة والاكثر عنادا بين كل العرب ومن ثم الاكثر قدرة على تحمل الكوارث ومنع تعاظم تأثيراتها على نسيجها النفسي فالسيطرة على العراق تفرض تعاون عدة اطراف منها اسرائيل الشرقية مع امريكا واسرائيل الغربية اضافة لتقسيم العراق بطريقة غير مباشرة عبر نظام المحاصصات الطائفية والعرقية والذي يؤسس كيانات مستقلة فعليا وعمليا حتى لو كانت مؤطرة برباط فدرالي شكلي . وهذا الموقف الامريكي والغربي والصهيوني ينسحب على كل الاقطار العربية وان كان بطرق مختلفة .
الحقيقة الابرز هي ان اسرائيل الشرقية وحتى لو قلمت اظافرها سوف تبقى احتياطا ستراتيجيا لاكثر من قوة دولية واقليمية يستخدم ضد العرب الامر الذي يفرض على العرب نظرة مختلفة كليا لكيفية التعامل مع هذا الخطر التاريخي والحالي وفي اطارها يجب تقبل خيار صعب جدا ولكنه حتمي واقل تكلفة من ترك اسرائيل الشرقية تملك مصادر قوة اذا اردنا البقاء كعرب وهو التصادم مع امريكا التي ترفض انهاء الدور الايراني كليا وتحصر خطواتها في تقليم اظافر النظام .يتبع .
Almukhtar44@gmail.com
31-7-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق